الـفِ ــكــر المعاركي حين يصبح الجهل مصدرً ا علميً ا للكاتب ايرث واصحابه الطبعه الأولى ١٤٤٧ هـ- 2025 دار ايرث للنشر والتوزيع الفكر المعاركي ٣ .1 مدخل إلى المعاركزم .2 أركان الفكر المعاركي .3 أنواع المعاركيين .4 استراتيجيات المعاركي في النقاش .5 المعاركزم أمام العلم .6 اللغة في الفكر المعاركي .7 الحجج من عدم .8 خاتمة: هل المعاركزم فكر قابل للتطور؟ فهرس المحتوى الفكر المعاركي ٤ تهيمن فيه الشهادات، وتُعظ م فيه ٍ في عالم التخصصات، نشأت طائفة فكرية لا تؤمن بكل ذلك، طائفة ترى أن العِلم لا يحتاج لمرجع، وأن المرجع هو "أنا". هؤلاء هم أتباع المعاركزم – فكر ٌ يقدّس الأنا، منطلقًا، والجهل حجةً، الصراخ ويجعل والاستعلاء وسيلة ً للهيمنة على النقاش. ً في هذا الكتاب، نغوص في هذا الفكر دراسة وتحليلاً ، لا سخرية ً فقط، بل فهمًا عميقًا للآلية التي يعمل بها هذا "الاعتقاد الذاتي المطلق". المقدمـة الفكر المعاركي ٥ سُ مّي هذا الفكر باسم "المعاركزم" نسبة ً إلى أول شخص تجلّت فيه هذه الحالة بشكلها الكامل: مصطفى معارك، والذي أصبح لاحقًا الروحي بـ"الأب يعرفه من بين يُلق ب للمعاركيين". لم يكن مصطفى معارك فيلسوفًا تقليديًا، ولا طالب علم، بل شخص قرر أن يكون "المصدر"، وأن يُحاور الدنيا وكأنها تحت سلطته العقلية. كان أول من قال بعبارة صريحة: "أنا لا أحتاج مرجعًا... أنا المرجع." وبهذا، أصبح معارك رمزًا لفئة فكرية تتسم بالجدلية المتطرفة، والتقوقع داخل قناعات شخصية لا تخضع لمراجعة أو نقد. لماذا سمي بالمعاركزم؟ الفكر المعاركي ٦ لقد صار المعاركزيون يُنسبون له فكريًا، كما يُنسب المذهب لصاحبه. لا لأنه كتب كتابًا أو أسّ س مدرسة، بل لأنه جسّ د الفكرة حتى صارت هو، وصار هو الفكرة. ال صل الاول مدح ل الى المعاركر م الفكر المعاركي ٨ في عالم ٍ تتعدد فيه المدارس الفكرية، وتتنوع المرجعيات من الفلسفة الإغريقية إلى العلم الحديث، ظهر فكر جديد لم يأت ِ من مدرسة أو مرجع، بل من النفس ذاتها. فكر ٌ لا يعتمد على العقل الجمعي، ولا على أدوات البحث العلمي، بل ينطلق من قناعة داخلية خالصة بأن "الإنسان، إذا صدّق نفسه، فهو أعلم من الكوكب كله". "المعاركزم" نسميه الذي الفكر، هذا )Maarekism(، لا يُمكن تصنيفه ضمن تيارات الجهل العادي، بل هو مرحلة متقدمة جدًا من "الجهل المنهجي المنظ م"، تتسم بثقة مفرطة، ومناعة ضد التعلم، واستعداد دائم للدخول في أي نقاش، في أي مجال، ومع أي شخص... بشرط الفكر المعاركي ٩ أن ينتهي الحوار باعتراف الطرف الآخر بأن المعاركي كان على صواب، حتى لو لم يقل شيئًا. المعاركزم ليس مزحة عابرة، بل ظاهرة فكرية تنتشر على مواقع التواصل، في جلسات الحوار، في المنتديات، وحتى في اللقاءات الأكاديمية أحيانًا، حين يقتحمها أحد المعاركيين ويعلن ببساطة أن "اللغة لا تحتاج إلى قواعد، لأنها أداة، وأنا الأداة!" يتخذ المعاركي – صاحب الفكر المعاركي – موقعًا فريدًا في خارطة العقل البشري، فهو لا يندرج ضمن “الجاهل الصامت”، ولا “المتعلم المتواضع”، بل ينتمي إلى فئة ثالثة: "الجاهل الواثق". الفكر المعاركي ١٠ هذا الجاهل الواثق لا يعترف بسلطة العلم ولا بمرجعية المعرفة، لأنه يرى نفسه "المصدر الأعلى"، و"المرجع النهائي"، و"النقطة التي تبدأ منها الحقائق وتنتهي عندها". فهو إن ناقش طبيبًا، بدا كأنه خرّيج أعرق كليات الطب، مع أنه لا يعرف الفرق بين الشريان والوريد. وإن ناقش مهندسً ا، تصرف وكأنه أشرف على ناطحات السحاب في طوكيو، رغم أنه لا يفرّق بين الطول والعرض. وإن ناقش متخصصً ا في اللغة، قال: "العربية ما تحتاج قواعد، أهم شيء تفهمني". وإن قلت له: "هذا خطأ علميًا"، أجابك بثقة: "أنا أرى أنه مو خطأ. الرأي يختلف". الفكر المعاركي ١١ لكن الأمر يتجاوز ذلك. فالمعاركي لا يرى أن رأيه "مساوٍ" لرأيك... بل هو يرى أنه "فوق الرأي"، فوق الصواب والخطأ، فوق المرجعية والمعايير، بل فوق الزمن ذاته. هو - باختصار - لا يعتقد أنه يُخطئ؛ لأنه يؤمن بأن ذاته معيار الحق. لكن الأمر يتجاوز ذلك. فالمعاركي لا يرى أن رأيه "مساوٍ" لرأيك... بل هو يرى أنه "فوق الرأي"، فوق الصواب والخطأ، فوق المرجعية والمعايير، بل فوق الزمن ذاته. هو - باختصار - لا يعتقد أنه يُخطئ؛ لأنه يؤمن بأن ذاته معيار الحق. الفكر المعاركي ١٢ ولعل أخطر ما في الفكر المعاركي أنه لا يعتمد على "الجهل البسيط"، بل على نفي الجهل ذاته. فالمعاركي لا يقول "أنا لا أعلم"، بل يقول: "أنا لا أحتاج أن أعلم، لأن ما أعلمه يكفي، وإن لم أكن أعلمه، فهو لا يستحق أن يُعلَم!" هنا يتحول النقاش من محاولة تبادل معرفي، إلى حلبة ملاكمة كلامية، يكون السلاح فيها هو الاستعلاء والسخرية ورفع الصوت. فإن بدأت تناقشه بهدوء، رفع صوته. وإن سقت له الأدلة، سخر منها. وإن استخدمت المنطق، قال لك: "المنطق هذا اخترعه ناس قبلك، وأنا لي منطقي الخاص." بل الأعجب من ذلك، أنه حين يُهزَم في نقاش الفكر المعاركي ١٣ المعاركزم ليس حالة طارئة، بل نمط تفكير راسخ. هو يقوم على ثلاث قواعد ذهبية: .1 أنا لا أُخطئ أبدًا. .2 إن أخطأت، فالمشكلة في فهمك. .3 وإن فُضِ حت، أُنكِر ثم أُبرر. وهو لا يقف عند حد التخصصات، بل يغزو كل مجال: يناقش الدين وهو لم يقرأ كتابًا. يخوض في السياسة ولا يفرق بين برلمان ومحافظة. يتكلم عن الفضاء ولم ير َ مجرة ً إلا في خلفية موبايله. الفكر المعاركي ١٤ لكن الغريب حقًا هو أن هذا الفكر يجد جمهورًا... تُصفّق له، وتُعيد تغريداته، وتقول: "هذا ٌ ناس يتكلم من قلبه"، وكأن الصدق يكفي لقتل الجهل! ٍ المعاركزم ليس فقط تحديًا للعقل، بل تحد للعالم: فهو يعلن التمرد على كل شيء: العلم، اللغة، المنطق، التخصص، وحتى التاريخ. وفي هذا الكتاب، سنشرح كيف يفكر المعاركي، كيف يناقش، كيف يتهرب، ولماذا – في كثير من الأحيان – لا يجب أن تجادله أصلاً . ا ال صل ال اركاں ال كر المعارك الفكر المعاركي ١٦ الركن الأول: أنا الدليل المعاركي لا يحتاج مصادر، لأن نفسه مصدر. كل ما يقوله هو “منطقي” بنظره، وبالتالي لا يحتاج لإثبات. فإن سألته: "ما دليلك؟" أجابك: "وش تبغى أكثر من كلامي؟" الركن الثاني: فوقية العلم في المعاركزم، العلم مجرد "اقتراح"، أما الحقيقة فهي ما يراه هو، بغض النظر عن الدراسات أو البراهين. فهو يعتقد أن التخصصات “تحجّر العقل”، وأن “العلوم نسبية”، إلا علمه فهو مطلق! الفكر المعاركي ١٧ الركن الثالث: الصراخ حجة حين تضعه في زاوية، لا يرد بالحجة... بل يرفع صوته، يضحك ساخرًا، يتهكم. الصوت العالي عنده دليل الثقة، والضحك هو الرد على أي منطق. الركن الرابع: الإنكار والتلاعب إذا ضُ بط بكلام قديم يناقض كلامه الجديد، ينكر ما قال، أو يقول: "فُهم كلامي خطأ"، أو "أنا كنت أمثّل رأي طرف ثاني". المهم ألا يثبت عليه خطأ. ال ال صل ال واع المعارك أ الفكر المعاركي ١٩ النوع الاول: المعاركي الفوقي يرى نفسه أعلى من الجميع. مع حتى "أستاذية"، بنبرة يتحدث المختصين. لا يعترف بوجود أحد أذكى منه، حتى في المجالات التي لم يسمع بها. النوع الثاني: المعاركي الساخر يستخدم التهكم بدلا ً من الحجة. يسخر من الطرف الآخر ويقلل من كل معلومة تُقدم. يُشعرك أن طرحك تافه حتى لو كان من جامعة هارفارد. الفكر المعاركي ٢٠ النوع الثالث: المعاركي المراوغ يغيّر مواقفه باستمرار. يُنكر ما قاله بالأمس ويُبرر بأنه "كان يجرب فكرة". لو خسر في نقاش، عاد للموضوع بعد أيام وكأن شيئًا لم يكن. النوع الرابع: المعاركي الصارخ لا يملك علمًا ولا حتى أسلوبًا، فقط صوت عالٍ . يعتمد على المقاطعة، وإسكات الطرف الآخر بالقوة اللفظية. يكرر كلامه كثيرًا ليغطي على ضعفه.