القديس يوسف النجار بسم الاب والابن والروح القدس الاله الواحد امين مقدمة عن حياة القديس يوسف النجار في صمت متأمل، يقف القديس يوسف النجار في قلب قصة الخلاص الإلهي، رجل لم تُسجل له كلمة واحدة في الأناجيل، ومع ذلك يتحدث صمته بأعلى صوت عن الإيمان، والطاعة، والبر، والعفة ، هو الرجل الذي اختاره الله ليكون حارسا لسر أعظم من الخليقة نفسها سر تجسد ابن الله في أحشاء العذراء مريم شخصية القديس يوسف ليس مجرد شخصية ثانوية في مشهد الميلاد، بل هو الركيزة الصامتة التي استندت إليها العائلة المقدسة في بداياتها فبينما كان العالم غارقا في الظلمة، أرسل الله إلى بيت صغير في الناصرة رجلا با ر ا من نسل داود، ليحمل مسؤولية حماية مريم والطفل الإلهي ، لقد عاش يوسف حياة البساطة والعمل، لكنه حمل في قلبه أعظم سر في التاريخ هذا الكتاب ليس سردا تاريخيا ، بل رحلة روحية إلى عمق شخصية القديس يوسف النجار ، الرجل البار الذي أطاع دون أن يسأل، وصدق دون أن يرى، وخدم باخلاص وامانه ، سنكتشف من خلال صفحاته كيف أعده الله منذ الأزل ليكون الأداة البشرية لتحقيق وعد الخلاص، وكيف صارت حياته نموذجا خالدا لكل مؤمن يسعى 1 إلى أن يعيش الإيمان بالفعل لا بالكلام القديس يوسف مثالا للإنسان الذي يسمع صوت الله في الصمت، ويعمل بإخلاص دون أن يطلب مقاب لا من خلال تأملنا في سيرته، نتعلم معنى الطاعة الحقيقية، والأمانة في المسؤولية، والعفة التي تُنير القلب هو رجل الله الصامت الذي نطق فعله بالقداسة ، هو كأب ا رضي ليسوع المسيح، الذي رباه بحنان وأمانة، وهو شريك العذراء مريم في الطهارة والخدمة ، لذلك تحتفظ الكنيسة بذكراه بإجلال خاص، وتلقبه بـالبار، الوصي الأمين، وشفيع العائلات والمؤمنين هذا الكتاب دعوة للتأمل في حياة رجل بسيط حمل رسالة عظيمة رجل لم يصنع معجزات ظاهرة، لكنه عاش أعظم معجزة أن يثق بالله حتى النهاية إنها قصة إيمان صامت وطاعة كاملة قصة الرجل الذي علمنا أن القداسة لا تُقاس بالكلام ولا بالظهور، بل بالثقة الكاملة في الله والعمل الأمين لمشيئته مجــــدى عيـــــد 2 القديس يوسف النجار هو شخصية محورية في الرواية الإنجيلية عن ميلاد الرب يسوع المسيح ، رغم أن الكتاب المقدس لا يذكر تفاصيل كثيرة عن حياته، إلا أن ما ورد عنه يكفي لنعرف أنه كان رجلا بارا ، تقيا ، ومطيعا لله، وقد اختاره الله ليكون الحارس الأرضي للطفل الإلهي يسوع وللعذراء مريم أولاً: أصل يوسف النجار ونسبه يوسف كان من سبط يهوذا، ومن نسل داود الملك، وهو ما يؤكد الشرعية الملوكية ليسوع من جهة النسب القانوني ، هذا واضح في الأنساب التي وردت في إنجيلي متى ولوقا يوسف ابن يعقوب من نسل داود عبر سليمان متى 1 : 1 – 16 إذا كان يوسف من بيت داود، وهذا يوافق النبوة التي تقول ويخرج قضيب من جذع يسى وينبت غصن من أصوله – إشعياء 1:11 3 ثانياً: مولده ونشأته الكتاب المقدس لا يذكر تاريخ أو مكان مولد يوسف بدقة، لكن بحسب التقليد الكنسي القديم (مثل كتابات القديس إبيفانيوس وهيبوليتس) يُعتقد أنه وُ لِد في بيت لحم أو الناصر ة في الجليل ، كان من عائلة فقيرة لكنها شريفة النسب ويُذكر أنه عاش حياة بسيطة، يعمل بيديه ويكسب رزقه بعرق جبينه ثالثاً: مهنته كنجار الإنجيل يصفه بوضوح أليس هذا ابن النجار – متى 13 : 55 كان يوسف نجارا هذه المهنة كانت رمزا للتواضع والعمل الشريف، وهي تعكس الطابع العملي والصبور في شخصيته رابعاً: صفاته الروحية والأخلاقية يصفه الكتاب المقدس بأنه رجل بار وإذ كان يوسف رجلها بارا ولم يشأ أن يشهرها، أراد تخليتها سرا متى 19:1 كلمة (بار) هنا تشير إلى إنسان يعيش بحسب شريعة الله رحيما ، متزنا ، لا يتسرع في الحكم ، عندما علم بحبل مريم لم يشأ أن يفضحها رغم أن الشريعة كانت تتيح له ذلك - تثنية 2 :2 3 2 – 24 4 بل أراد أن يفعل الصواب دون قسوة خامساً: اختيار القديس يوسف للزواج من العذراء مريم اختيار يوسف لم يكن مصادفة ، بحسب التقليد الكنسي القديم المحفوظ في ( إنجيل يعقوب المنحول ) هو أحد الكتب الأبوكريفية التي لم تُقبل في قانون العهد الجديد ، يُعرف أيضا باسم إنجيل يعقوب الأولي ) وبعض كتابات الآباء الأوائل مثل أوريجانوس وإيرونيموس)، كانت مريم مكرسة للهيكل منذ طفولتها ( بحسب التقليد أنها نُذرت لله منذ طفولتها لتعيش في خدمة الهيكل، أي أن والديها حنة ويواقيم قدّماها لتعيش حياة طهارة وعبادة داخل الهيكل ) وعندما بلغت السن المناسبة، تم اختيار رجل بار من نسل داود ليكون حارسها ، فاختير القديس يوسف بإعلان إلهي ليكون حاميها دون أن يكون زواجا ج سد يا بالمعنى المعتاد لماذا ً اختار الله يوسف النجار ليكون خطيبا لمريم العذراء أولا: لأن يوسف كان من نسل داود ثانيا: لأنه كان رجلا بارا ثالثا: لأنه كان عفيف ا وطاهر القلب رابعا: لأنه كان مطيعا لإرادة الله دون تردد 5 خامسا: لأن الله أراد أن يتم التجسد في إطار عائلة بشرية مقدسة سادسا: لأنه كان مثال الأبوة المسؤولة والخادمة سابعا: لأنه كان مستعدا لحمل الصليب بصمت ثامنا: ليكون نموذجا للقداسة العملية في الحياة اليومية اختيار القديس يوسف هو إعلان أن النعمة تعمل في التواضع الله يبحث عن القلوب النقية المستعدة لتنفيذ مشيئته كما اختار العذراء مريم لتكون أم الكلمة، اختار يوسف ليكون خادم الكلمة ، ُ وكما حملت مريم المسيح في أحشائها، حمله يوسف على ذراعيه بإيمان وحنان ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر – متى 1 : 25 وهذا يعني أن العلاقة بين يوسف ومريم كانت طاهرة ومقدسة بالكامل، هدفها حماية مريم والطفل الإلهي وليس تأسيس أسرة بشرية عادية سادساً: دوره في الأحداث الإلهية ظهر له الملاك في الحلم وقال له ألا يخاف أن يأخذ مريم زوجته لأن الذي حُبل به فيها هو من الروح القدس متى 1 : 20 – 21 ذهب مع مريم إلى بيت لحم حيث وُ لِد يسوع (لوقا 2:4 – 7 ) 6 في الهروب إلى مصرأطاع أمر الملاك وأخذ الطفل وأمه إلى مصر لينجو من بطش هيرودس (متى 2 : 13 – 15 ) في العودة إلى الناصرة بعد موت هيرودس، أعاده الله إلى الناصرة حيث نشأ يسوع (متى 2 : 19 – 23 ) 7 سابعاً: وفاته الكتاب المقدس لا يذكر وقت وفاته، لكن التقليد الكنسي يرى أنه توفي قبل بدء خدمة يسوع العلنية، لأن الأناجيل لم تذكره أثناء حياة المسيح العلنية ولا عند الصليب ، ويُعتقد أنه مات بسلام في حضن يسوع و العذراء مريم، ولهذا يُلقب بـشفيع الموتى الصالحي ن ثامناً: البعد اللاهوتي لشخصيته يوسف يمثل نموذج الأبوة الروحية والطاعة الكاملة لله ، لم يكن نبيا أو كاهنا ، لكنه عاش حياة الإيمان العملي، مؤمنا بما لا يُرى، مطيعا لكلمة الله دون تردد بالإيمان أطاع إبراهيم لما دُعي أن يخرج... وهكذا يوسف أطاع لما أُمر أن يأخذ مريم – عبرانيين 11 (تطبيق رمزي) تاسعاً: الدروس الروحية من حياة يوسف النجار الإيمان الصامت: لم يُسجل له أي قول في الإنجيل، ومع ذلك حياته كلها كانت شهادة طاعة الطاعة الفورية: كلما ظهر له الملاك، أطاع دون نقاش الأمانة في المسؤولية: حفظ الطفل يسوع ومريم في ظروف قاسية عاش حياة البسطاء رغم عظمة الدعوة التي وُ كلت إليه 8 يوسف النجار هو مثال للرجل البار الأمين الذي خدم خطة الله بصمت وتواضع ، اختاره الله ليكون أداة لحماية سر التجسد الإلهي حياته هي دعوة لكل مؤمن ليعيش الطاعة والإيمان العملي دون ضجيج 9 تفسير قول الكتاب ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر (متى 1 : 25 ) هذه العبارة من أكثر النصوص التي يساء فهمها، لذلك يجب تفسيرها بدقة لغوية ولاهوتية وكتابية النص الكامل يقول ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر، ودعا اسمه يسوع – متى 1 : 25 أولاً: معنى عبارة لم يعرفها التعبير ( لم يعرفها ) في اللغة الكتابية هو اصطلاح عبري يعني العلاقة الزوجية الجسدية كما ف ى تكوين وعرف آدم حواء امرأته فحبلت وولدت قايين – تكوين 4 : 1 لكن في حالة يوسف ومريم، النص لا يعني أن يوسف عرفها بعد الولادة، بل يوضح فقط أنه لم يعرفها قبل ولادة يسوع ، كلمة ( حتى ) (heōs hou باليونانية ) لا تعني بالضرورة أن الفعل تغير بعد ذلك، بل تُستخدم كثيرا لتحديد فترة زمنية دون الإشارة إلى ما بعدها و تُترجم إلى العربية بمعنى ( إلى أن ) أو ( حتى ) لكنها لا تعني بالضرورة أن الحالة تغيرت بعد هذا الحد ، المقصود أن يوسف لم يعرف مريم قبل ولادة يسوع ، دون الإشارة إلى أي علاقة بعد ذل ك ثانياً: استخدام كلمة ( حتى ) في الكتاب المقدس في الكتاب المقدس، كلمة حتى لا تفيد دا ئما التغيير بعد الحدث 10 إليك أمثلة واضحة وقالت ميكال ابنة شاول لداود لا يكون لك خروج ولا دخول حتى يوم موتك – 2 صموئيل 6 : 23 لم تنجب ميكال قط، وليس فقط حتى موتها قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موط يا لقدميك – مزمور 110 1: المسيح لم يتوقف عن الجلوس عن يمين الآب بعد أن وُ ضعت أعداؤه تحت قدميه إذن، ( حتى ) في متى 1 : 25 تعني ببساطة أن يوسف لم يعرف مريم قبل الولادة، دون أن يعني أنه عرفها بعدها ثالثاً: معنى ابنها البكر القول ( ابنها البكر ) لا يعني بالضرورة أن لها أبناء آخرين بعده ، في الثقافة اليهودية، كل مولود أول يُدعى ( بكرا ) سواء وُ لد له إخوة بعده أم لا قدس لي كل بكر، كل فاتح رحم من بني إسرائيل من الناس والبهائم إنه لي – خروج 13 : 2 فكل أول مولود يُعتبر بكرا حسب الشريعة، حتى لو لم يُولد بعده أحد 11 رابعاً: ظل يوسف ومريم عفيفين بعد الميلاد بحسب التعليم الكنسي والتقليد المسيحي منذ القرون الأولى، ظلت مريم عذراء دائمة البتولية، ويوسف ظل عفيفا طاهرا معها ، هذا ما أكده آباء الكنيسة مثل القديس جيروم وأثناسيوس وأغسطينوس الزواج بين يوسف ومريم لم يكن زواجا جسديا بل روحيا ، هدفه حماية السر الإلهي ، يوسف كان حارسا للعذراء والطفل الإلهي، وليس زوجا بمعناه المادي خامساً: الرد على الاعتراض القائل بأن مريم أنجبت أبناء آخرين البعض يشير إلى ما ورد عن إخوة يسوع (متى 13 : 55 ) ف الكلمة ال يونانية المستخدمة هي بمعنى الأقارب أو أبناء العمومة الكتاب المقدس نفسه يُظهر ذلك بوضوح عندما يصف إبراهيم ولوط بأنهما إخوة، رغم أن لوط ابن أخيه فقال إبراهيم للوط لا تكن مخاصمة بيني وبينك لأننا نحن أخوان – تكوين 13 : 8 إذن فـإخوة يسوع هم أقرباؤه بحسب الجسد، وليسوا أبناء مريم 12 سادساً: شهادة آباء الكنيسة القديس جيروم : (القرن الرابع) أحد آباء الكنيسة (حوالي 347 - 420 م ) كتب مؤلفا بعنوان ضد هلفيديوس مدافعا ( عن بتولية مريم الدائمة ) رد فيه على من زعم أن لها أبناء آخرين القديس أغسطينوس: قال: إن مريم ظلت عذراء قبل الميلاد وفي الميلاد وبعد الميلاد القديس يوحنا ذهبي الفم: أكد أن يوسف عاش حياة الطهارة الدائمة مع مريم في طاعة كاملة لله سابعاً: المعنى الروحي للنص هذا النص يُظهر نقاوة مقاصد الله وطهارة الأدوات التي استخدمها لتحقيق سر التجسد ، يوسف لم يأخذ مريم بدافع الجسد بل بدعوة سماوية ، وهكذا أصبحت عائلة الناصرة المقدسة نموذجا للعفة والطاعة والإيمان الصامت طوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله – متى 5 : 8 اعرف المعنى عبارة ولم يعرفها حتى المعنى الصحيح لم يجتمع بها جسديا قبل الولادة ولا بعد الولادة 13 عبارة ابنها البكر المعنى الابن الأول المكرس لله حسب الشريعة، وليس دليلا على أبناء لاحقين عباره ان يوسف لم يعرفها بعد الولاده المعنى الصحيح ظل عفيفا وطاهرا يعيش في خدمة الله والعذراء والطفل يسوع يوسف النجار فى العهد الجديد يوسف الذي زاد البركة بحفظه للطفل الإلهي والعذراء عاش الطهارة الكاملة مع مريم العذراء (متى :1 9 1 – 25 ) تلقى وحي الله عبر الأحلام (متى 1 : 20 ، 2 : 13 ، 2 : 19 ) نزل يوسف النجار إلى مصر ليحفظ الطفل يسوع من بطش هيرودس (متى 2 : 13 – 15 ) أنقذ مريم والطفل الإلهي من الموت على يد هيرودس 14 من هم إخوة يسوع المذكورون في الأناجيل ؟ عبارة إخوة يسوع التي وردت في بعض المواضع من العهد الجديد كانت محور نقاش طويل بين المفسرين، لكنها لا تعني مطلقا أن للعذراء مريم أبناء آخرين بعد يسوع ، الفهم الصحيح يأتي من اللغة الأصلية، والسياق اليهودي، وشهادة الآباء الأوائل أولاً: النصوص التي ورد فيها ذكر إخوة يسوع وردت الإشارة إلى إخوة يسوع في عدة مواضع من العهد الجديد، منها أليس هذا ابن النجار أليست أمه تدعى مريم، وإخوته يعقوب ويوسي وسمعان ويهوذا – متى 55:13 َ أَلَيْس َ هذَا هُو َ النَّجَّار َ ابْن َ مَرْ يَمَ، وَ أَخُو يَعْقُوب َ وَ يُوسِي وَ يَهُوذَا وَ سِمْعَان أَوَ لَيْسَت ْ أَخَوَ اتُه ُ ههُنَا عِنْدَنَا (مر 6 : 3 ) ثانياً: المعنى اللغوي لكلمة إخوة الكلمة اليونانية المستخدمة في النصوص الأصلية ἀ δελφοί (adelphoi) ، وهي تُستخدم في العبرية (ach) والآرامية بمعنى هى ا لأقارب أو أبناء العمومة أو أفراد القبيلة، وليس بالضرورة الإخوة الأشقاء 15