130 ُ هارون ُ الر�ّسيد " الخليفة ُ العابد ُ المجاهدُ " د. �سناء �سعلان ِ قدر ُ هارون َ الر�ّسيد ٍ في ليلة ٍ مباركة ٍ -كانت ْ بداية َ ع�سر ٍ ذهبي ّ للدّولة ِ الاإ�سلاميّة ِ في الع�سر ِ العبّا�سيّ - وُلد َ الاأمير ُ هارون ُ بن ُ محمد ُ بن ِ عبدِ الله ِ بن ِ محمد ٍ بن ِ علي ٍّ بن ِ عبد ِ الله ِ بن ِ العبّا�سِ ، الملقّب ِ بهارون َ الر�ّسيدِ ، وذلك َ في مدينة ِ الرّي ِّ (مدينة ٍ تقع في الجن�ب ِ ال�سّ رقي ِ من مدينة ِ طهران َ عا�سمة ِ اإيرانَ ) في عام ِ 148 هـ، وفتح َ عينيه على الدّنيا ليجد َ نف�سَ ه ُ اأميرا ً في ح�سن ِ الخلافة ِ العبا�سيّةِ؛ ف�الدُه ُ اأب� عبد ِ الله ِ محمد ٍ المهديّ ، وكان َ حينئذ ٍ (في ذلك َ ال�قتِ ) واليا ً (حاكماً) على الرّي ّ وخرا�سان َ (ه� اإقليم ٌ ي�سم ُّ اأفغان�ستان َ واأجزاء َ من تركمان�ستان َ وجزءا ً من اإيرانَ ) من قبل ِ والدِ ه ِ الخليفةِ المن�س�رِ، ثم اأ�سبح َ فيما بعد الخليفة َ العبا�سي َّ الرّابعَ. لم يكن ْ م�لد ُ هــارون َ الر�ّسيد ِ اأمــرا ً عادياً، �ساأنُه ُ �ساأن ُ اأي ِّ طفل ٍ اآخر في هذه ِ الدّنيا، بل كان َ طفلا ً في ْ انتظارِه ِ اأم�ر ٌ عظيمةٌ، وم�س�ؤوليات ٌ ج�سيمة ٌ (عظيمةٌ)، لذلك َ فقد ِ طفق َ (بداأَ) والدُه ُ منذ ُ نع�مة ِ اأظفاره ِ (منذ ُ طف�لتِهِ) يعدّه ُ لمهمتِه العظيمة ِ المنتظرةِ، وهي قيادة ُ الم�سلمين. وقد مَ ن ّ الله ُعلى هارون َ الر�ّسيدِ ، ف�هبَه ُ (اأعطاهُ) وجها ً جميلاً، ُ وفطنة ً (ذكــاءً) كبيرةً، ورغبة ً عظيمة ً في التّعلّمِ ، وحبّا ً لا يعرف حدودا ً للعلماءِ، وقلبا ً �سجاعا ً يحب ّ الدّفاع َ عن الاإ�سلام ِ والم�سلمين. ُ وهذه ال�سّ فات ُ الفريدة ُ جعلت ْ والدَ ه ُ الخليفة َ ي�ستب�سر ُ بِه ِ خيراً، ويعدّه لت�لّي المنا�سب ِ القياديّة ِ في الدّولةِ. ُ وفــي حين ِ كــان َ الاأطــفــال ُ يله�ن ويلعب�ن، كــان َ الطفل ُ هــارون ٍّ الر�ّسيد ُ يعي�س ُ حياة ً ع�سكريّةً، ويقطع ُ (يم�سي) اأوقاتَه ُ يعمل ُ بجد ِ ومثابرة ٍ في تعلّم ِ فن�ن ِالقتال ِ والحرب ِ ممّن ح�لَه ُ من القادة ِ الاأكْفاء (جمع ُ كف�ؤٍ، وه� َ المرء ُ الذي يجيد ُ العمل َ والتّدبيرَ) الذين يتاأ�سّ ى اأمثال ُ يحيى بهم (يقتدي بِهِ م)، ويتعلّم ُ من تجاربِهِ م وخبراتِهِ م، بن ِ خالد ٍ البرمكيّ ، والرّبيع ِ بن ِ ي�ن�سَ ، ويزيد َ بن ِ مزيد ٍ ال�سيبانيّ ، والح�سن ِ بن ِ قحطبة ِ الطّ ائيّ ، ويزيد َ بن ِ اأ�ُسيد ٍ ال�سّ لميّ ، حتى غدا (اأ�سبحَ ) فار�سا ً ق�يّا ً �سجاعا ً يتقن ُ فن�ن َ الحرب ِ وخططِ هَا، ويتمنّى اأن يحظى بال�سّ هادة ِ في �سبيل ِ اللهِ. 131 ؛لاأنّها تخرج ُ للجهاد ِ في ال�سّ يف، " ال�س� ّائف " و�سرعان َ ما عُيّن هارون ُ الر�ّسيد ُ ال�سّ اب ُ اأميرا ً لحملة ٍ ع�سكريّة ٍ ت�ُسمّى ن�سبة ً اإلى ال�سّ تاء ِ الذي تخرج ُ للجهاد ِ فيهِ؛ لتهديد َ العدو ِّ البيزنطيّ ، وتخ�يفا ً لَهُ، ثم " ال�س� ّاتي " ِ وكذلك اأميرا ً لحملة ولاّه ُ اأب�ه ُ بلاد َ المغرب ِ كلّهَا. 132 قلب ٌ محب ٌّ للعلمِ ِ اأحب ّ هارون ُ الر�ّسيد ُ دينَه ُ الاإ�سلام َ حبّا ً عظيماً؛ ولذلك َ فقد ْ اأقبل َ على العلم �سلام ُ يح�س ُّ (يحث ُّ على الاأمر ِ ب�سدّةٍ) على التّعلّمِ ، إ بكل ِّ رغبة ٍ ون�ساطٍ ؛ لأن َّ �ل ِ وكان ِمن طيبِ حظّ ه ِ اأن عهد َ بِه ِ اأب�ه ُ الخليفةُ المهدي ّ اإلى ح�سدٍ كبير ٍ من علماء ّ ع�سرِ ه ِ يق�م�ن بتهذيبِه ِ وتعليمِ ه ِ وتثقيفِهِ، وعلى راأ�سهم العالمان الك�سائي والمف�سّ ل ال�سّ بيّ ، وهما من اأ�سهر ِ علماء ِ اللغة ِ والاأدب ِ العربيّ . َّ وبلغ َ من �سغف ِ (حب ٍّ �سديدٍ ) هارون َ الر�ّسيد ِ بالعلماء ِ اأن �سم ِ ق�سرُه ُ ما لم ي�سمّه ُ ق�سر ُ غيرِ ه ِ من المل�ك ِ والخلفاء ِ من العلماء ُ أ ، وهــ� َ مَ ــن ْ يقرا ٍ ئ وال�سّ عراء ِ والفقهاء ِ والــقــرّاء ِ (جمع ُ قــار ِ القراآن َ ويحفظُ هُ) والق�ساة ِ والكتّاب ِ والم��سيقيين والنّدماء ّ (جمع ُ نديمٍ ، وه� َ الم�ساحب ُ في ال�سّ هرِ ).ويكفي الق�ل ُ اإن َ مجل�سَ ه ُ قد ْ ح�ى من العلماء ِ القا�سي اأبا ي��سف وال�سّ اعر َ مروان َ بن ِ حف�سة َ والعبّا�س َ بن َ محمدٍ ، والف�سل َ ابن َ الرّبيع ِ واإبراهيم الم��سليّ . ِ وقد ْ عا�س َ في ع�سر ِ هارون َ الر�ّسيد ِ الكثير ُ من كبار ٍ العلماء ِ اأمثال عبد ِ الله ِ بن ِ مبارك ٍ واللّيث ِ بن ِ �سعد ٍ ومالك ٍ بن ِ اأن�س و�سيب�يه ِ ومحمد ٍ بن ِ الح�سن ِ �ساحب ِ اأبي حنيفةَ. َ وبلغ َ من اإجلال ِ هارون َ الر�ّسيد ِ للعلماءِ، وحبّه ِ للعلمِ ، اأنّه ُ كان َ ي�سب ُّ الماء َ بعد الطّ عام ِ على اأيدي العلماء ِ الذين كان�ا هم اأي�سا ً يجل�ّنَه ُ (يعظّ مُهُ)، ويحترم�نَهُ، 133 133 ويقدّرون مكانتَه ُ الرّفيعة َ في العلمِ ، ويعظ�نَه ُ (ين�سح�نَهُ) دون َ خ�ف ٍ منهُ، ُ وير�سدونَه ُ اإلى الخيرِ ، فيبكي بحرقة ٍ خ�فا ً من اللهِ؛ اإذ ه� راعي الم�سلمين والم�س�ؤول عنهم اأمام َ الخالق ِ عز َّ وجلَّ. 134 كذلك َ كان َ يرحل ُ ب�لديه ِ الاأمين ِ والماأم�ن ِ اإلى المدينة ِ المن�ّرة ِ ل�سماع ِ الم�طّ ا أ (ه� َ كتاب ٌ للاإمام ِ مالك ِ بن ِ اأن�سٍ ، ِ وه� َ اأوّل ُ كتاب ٍ و�ُسعت ْ فيه ِ الاأحاديث ُ النّب�ية ُ م�سنفة ً ومب�بةً، وا�ستغرق َ تاأليفُه ُ اأربعين �سنةً) من الاإمام ِ مالك ٍ بن اأن�سٍ ، وما عُرف َ عن خليفة ٍ غيره الرّحيل ُ من اأجل ِ العلمِ . ً وهذا العلم ُ ال�فير ُ قد �سحذ َ (�سكّلَ ) هارون َ الر�ّسيد َ على خير ِ وجهٍ ، فكان َ حازما ً كريما ً مت�ا�سعا ً عادلا ً �سادقا " جبّار ِ بني العبّا�سِ " محبّا ً للحكمة ِ وكارها ً للجدال ِ والنّفاق ِ والغدر ِ �سهما ً فار�سا ً �سجاعاً، ولذلك َ كلّه ِ لُقّب َ بـ ِ وكــــي ينقــــل َ هارون ُ الر�ّسيــــد ُ العلم ِ اإلى كل ِّ الم�سلميــــن، فقد ْ اأن�سا أ َ بيت َ الحكمــــةِ، وزوّدها باأعداد ٍ كبيــــرة ٍ من الكتب والم�ؤلّفــــات ِ من �ستّى بقاع ِ الدّنيا، وكانت ْ ت�سم ُّ غرفا ً كثيــــرة ً تمتد ُّ بينها اأروقة ٌ (جمع ُ رواقٍ ، وه� َ ركن ٌ في ندوة ٍ للتلاقي ً والت�ّســــاورِ) ط�يلةٌ، وخُ �س� ّست ْ بع�سها للمحا�سراتِ ، والاأخرى للنّا�سخيــــن والمترجمين والمجلّدين.فاأ�سبحت ْ منارة للعلمِ ، ي�ليها هارون ُ الر�ّسيد ِ كل َّ الاهتمام ِ والعنايةِ. ُ الخليفة ُ المجاهد بدا أ َ هارون ُ الر�ّسيد ُ حياتَه ُ مجاهداً، ففي �سنة ِ 165هـ خرج َ على َ راأ�س ِ حملة ٍ ع�سكريّة ٍ �سد َّ الرّومِ ، وعاد َ منت�سرا ً منها، فك�فئ ٍ باأن ْ جعلَه ُ والدُه ُ الخليفة ُ وليا ً ثانيا ً للعهد ِ بعد َ اأخيه ِ اأبي محمد م��سى الهادي. و�ساء َ الله ُاأن تك�ن َ حياة ُ هارون َ الر�ّسيد ِ كلُّهَا جهادٌ، ِ ففي العام ِ 170 هـ اأ�سبح َ خليفة ً بعد َ اأخيه ِ الخليفة ّ المُت�فّى الهادي، ليك�ن َ بذلك َ الخليفة َ العبا�سي الخام�س َ من �سلالة ِ بني العبّا�س ِ الذين جعل�ا بغداد َ عا�سمة ً لهم. 135 136 ومنذ ُ اللحظة ِ الاأولى كان َ الجهاد ُ في انتظار ِ هارون َ الر�ّسيد ِ الذي كان ي�ؤمن ُ بق�ة ِ باأنّ العدل َ والجهاد َ هما دعامتا اأي ّ دولة ٍ اإ�سلاميّة ٍ عزيزةٍ، ولذلك َ فقد ْ كتب َ على قلن�س�تِه ِ (قبعة ِ الرّاأ�سِ ) ُ . وهجر َ الملذّات ِ واللّه� َ (اللّعبَ )، ونذر َ نف�سَ ه ُ لاإعلاء ِ كلمة ِ اللهِ، والق�ساء ِ على اأي ِّ تهديد ٍ ي�اجه " ً غاز ٍ حاجّ ا " والذي " الاإمبراط�رية ِ الاإ�سلاميّةِ، ورف�س َ اأن ي�سعف َ اأمام َ اأي ِّ عدو ٍّ للاإ�سلامٍ ، وكان َ كلّما �سمع َ حديث َ الر�ّس�ل ِ : َ يبكي بق�ة ٍ حتى ينتحب " نف�س ُ محمد ٍ بيده ِ ل�ددت ُ اأنّي اأغزو في �سبيل ِ الله ِ فاأُقتلُ، ثم اأغزو فاأقتلُ، ثم اأغزو فاأُقتلُ (يبكي ب�س�ت ٍ مرتفعٍ ). ِ ملكة ُ الرّوم ِ بطلب " اإيريني " وكان َ لهارون َ الر�ّسيد ِ حرب ٌ ط�يلة ٌ لم تت�قّف ْ ط�ال َ حياتِه ِ مع الرّومِ ، بداأتهَا ال�سّ لح ِ ودفع ِ الجزية ِ (هي مال ٌ ي�ؤخذ ُ من اأهل ِ الذّمةِ) للم�سلمين، وذلك َ في العام ِ 181هـ، َ بنق�س ِ الهدنةِ، والت�ّقف ِ عن دفع ِ الجزيةِ، ثم اأر�سل " ُ نقف�ر " ِ اإلى اأن قام َ ملك ُ الرّوم ِ الجديد من نقف�ر َ ملك ِ الرّوم ِ اإلى ملك ِ العربِ ، اأمّا " كتابا ً (ر�سالةً) اإلى هارون َ الر�ّسيد ِ يق�ل ُ فيهِ: بعدُ؛فاإن ّ الملكة ِ اإيريني التي كانت ْ قبلي اأقامتك َ مقام َ الرّخ ِ (طائر ٍ اأ�سط�ري ٍّ عملاقٍ )، َ واأقامت ْ نف�سَ هَا مقام َ البيدق ِ (الطّ ائر ِ ال�سّ غيرِ )، فحملت ْ اإليك َ من اأم�الِهَا اأحمالاً، وذلك ِ ل�سعف ِ الن�ّساء ِ وحمقهنّ ، فاإن ْ قــراأت َ كتابي فــاردد ْ ما ح�سل َ قبلك َ من اأم�الِهَا، وافتد " نف�سَ كَ ، واإلا ّ فالحرب ُ بيننا وبينكَ ْ (غ�سب َ بق�ةٍ) حتى لم يتمكّن ً �لكتاب َ ��ست�ساط َ غ�سبا ُ فلمّا قرا أ َ هارون ُ الر�ّسيد ِ اأحد ٌ من النّظر ِ اإلى وجهِ ه ِ ف�سلا ً عن اأن يكلّمَهُ، وتفرّق َ جل�ساوؤهُ، ثم كتب َ اإليه مبا�سرة ً على ظهر ِ كتابِه ِ بق�ة ِ الم�سلم ِ الق�ي ِّ ال�اثق ِ بربّه ِ الرّاف�س ِ لاأي ِّ ذل ٍّ اأو " َ نقف�ر " ب�سم ِ الله ِ الرّحمن ِ الرّحيمِ ، من هارون َ اأمير ِ الم�ؤمنين اإلى " مهانةٍ: " كلب ِ الرّومِ ، فقد ْ قراأت ُ كتابك َ يا ابن َ الكافرةِ، والج�اب ُ ماتراه ُ لا مات�سمعُهُ 137 وجهّز َ هارون ُ الر�ّسيد ُ جي�سا ً عملاقا ً من الم�سلمين طار َ بِه ِ اإلى مدينة ِ هرقلة َ (مدينة ٍ بالقرب ِ من الق�سطنطينيةِ في تركيا) وحاربَه ُ حربا ً �سارية ً (ق�يّةً) جعلتْه ُ يت��سّ ل ُ الهدنة َ وال�سّ لح َ مع هارون َ الر�ّسيدِ ، وحمل َ اإليه ِ مال َ الجزيةِ، ولكنّه �سرعان َ ما عاد َ اإلى نق�س ِّ ال�سّ لحِ ، ف�سار َ هارون ُ الر�ّسيد ُ اإليه ِ من جديد ٍ في عام 188 هـ بجي�س ٍ جرّار ٍ (كبيرٍ )، الذي �سارع َ من جديد ٍ اإلى طلب ِ ال�سّ لحِ ، " َ َ نقف�ر " َ وهزمَ ه ُ �سر َّ هزيمة ٍ حتى اإنّه ُ قتل َ من جندِ ه ِ اأربعين األف َ رجلٍ، وجرح وقبل َ بفداء ِ اأ�سرى الم�سلمين، فلم يبق َ اأي ُّ اأ�سير ٍ م�سلم ٍ في �سج�ن ِ الرّومِ ، فابتهج ُ الم�سلم�ن بذلكَ . 138 اإلا ّ اأن ّ نقف�ر َ عاد َ من جديد ٍ اإلى نق�س ِ ال�سّ لحِ ، وعاد َ بجي�س� ٍ سخم ٍ عدده 135 األف َ جندي ّ لمهاجمة ِ حدود ِ الدّولةِ العبا�سيّةِ، فكان َ لَه ُ الم�سلم�ن في المر�سادِ، وهزم�ه ُ من جديدٍ ، فعاد َ وجي�سُ ه ُ اإلى بلدِ ه ِ يجر ُّ ذي�ل َ الخيبة ِ والهزيمةِ، وتعّهد َ بدفع ِ الجزية ِ �ساغرا ً (ذليلاً) واتفق َ مع هارون َ الر�ّسيد ِ على اأن لا يعمر َ مدينة َ هرقلة َ من جديدٍ . َ وهذا الن�سّ ر ُ قاد َ هارون َ الر�ّسيد َ اإلى المزيد ِ من الجهاد ِ دون َ اأن يعرف َ كللا ً (مللاً) اأو تهاوناً، ففتح َ مدينة َ هرقلةَ، واأر�سل َ الجي��س َ الاإ�سلاميّة َ تحت َ اإمارة ِ خير ِ ق�ّادِه ِ تج�ب ُ الاآفاقَ ، وتفتح ُ البلادَ، وتن�سر ُ الاإ�سلامَ ، وتعظّ م ُ �ساأن ِ الم�سلمين في عي�ن ِ الاآخرين، ففتح َ اأر�س َ الدّيلم ِ (ناحية ٍ من بلاد ِ اإيرانَ ) وما وراء َ النّهرِ ، وفتح َ الكثير َ من اأر�س الّروم ِ وجزيرة ِ كريت. ً و�سدّة ُ حر�س ِ هــارون َ الر�ّسيد ِ على رعيتِه ِ وعلى �سلامتِها جعلته ُ متب�سّ را َ باأح�الها، لاي�سمح ُ باأي ّ ف�ساد ٍ اأو تمرّد ٍ اأو ث�رةٍ، وما كانت ْ تظهر ُ اأي ُّ ث�رة ٍ اإلا ّ اأر�سل اإليها جي�سا ً يخمدُهَ ا، ويق�سي على من قام َ بها، وي�سلح ُ الاأح�ال َ من جديدٍ . (ل�سدّةِ) نف�ذ ِ البرامكة ِ في دولــتِــهِ، ِ �لر�ّسيد ِ لفرط ُ وعندما تنبّه َ هـــارون و�سيطرتهم على الاأم�رِ، وماآل ِ الكلمة ِ العليا في الدّولة ِ اإليهم، حتى كادت ْ �سلطتُهم تطغى على هارون َ الر�ّسيد ِ نف�سِ هِ، وكان�ا من اأ�سل ٍ فار�سيّ ، �سارع َ اإلى هدم ِ �سلطتِهم، وت�سريدِ هم واإبعادِهم عن الحكمِ ، وجعل َ مكانَهُم عربا ً ي�ساعدونه ُ في الحكمِ . وق�ة ُ هارون َ الر�ّسيد ِ لم تمنعه من اأن يك�ن َ محبّا ً لل�سّ لامِ، و�ساعيا ً اإليه مع َ كل ِّ من يحترم ُ الاإ�سلامَ ، ولاي�سمر ُ �سرا ً للم�سلمين، فذاع َ �سيته ُ (اأ�سبح ُ م�سه�راً)، واأر�سلت ْ الهند ُ وال�سّ ين ُ واأوروبا ر�سلَهَا اإلى بلاطِ ه ِ تطلب ودَّه ُ و�سداقتَهُ، وكانت ْ �سداقة ُ هارون َ الر�ّسيد ِ مع ملك ِ فرن�سا ُ كارل��س َ الكبير ِ الملقّب ِ ب�سارلمان َ هي الاأ�سهرُ، ويقال ُ اإنّهما كانا يتبادلان الهدايا النّادرةَ، وقد ْ اأهداه 139 هارون ُ الر�ّسيد ُ حي�انات ٍ نادرةً، منها فيل ٌ عملاقٌ، واأقم�سة ٌ فاخرةٌ، و�سمعداناتٌ ، و�ساعة ٌ كبيرة ٌ من البرونز ِ المطليّ ُ بالذّهب ِ م�سن�عة ٍ في بغدادَ، وحينما تدق ُّ �ساعة َ الظّ هيرةِ، يخرج ُ منها اثنا ع�سر َ فار�سا ً من اثنتي ع�سرة َ نافذة ً تُغلق من خلفِهم، وقد تملّك َ العجب ُ �سارلمان وحا�سيته ُ من هذه ِ ال�سّ اعةِ، وفزع�ا منهَا؛اإذ ظن�ّا اأن َّ فيها �سحراً. 140 الرّعيّة ُ ال�سّعيدةُ َ عرفت ْ الاإمبراط�ريّة ُ الاإ�سلامية ُّ العبّا�سيّة ُ في اإبّان ِ (في زمنِ ) خلافة ِ هارون َ الر�ّسيد ِ كل َّ الخير ِ والبركة َ والق�ة ِ والاأمنَ ، فهارون ُ الر�ّسيد ُ الخليفة ُ المجاهد ُ العابد ُ قد وفّر َ كل َّ اأ�سباب ِ الرّخاء ِ والرّفاهية ِ والنّماء ِ في اإمبراط�ريتِه لكثرة ِ خيرِ هَ ا وخ�سبِهَا. " ِ اأيام ِ العرو�س " حتى �سمّيت ْ فترة ُ حكمِ ه ِ بـ ً وكانت ْ الاإمبراط�ريّة ُ الاإ�سلاميّة ُ حينَهَا كبيرة ً مترامية َ الاأطرافِ ، ممتدّ ة َ من و�سط ِ اآ�سيا اإلــى المحيط ِ الاأطلنطي، ومختلفة َ البيئاتِ ، ومتعدّ دة َ الــعــادات ِ والتّقاليدِ ، وتحتاج ُ اإلــى خليفة ٍ مثل ِ هــارون َ الر�ّسيدِ ؛ ليح�سن ِ �سيا�ستَهَا في وقت ٍ كانت ْ فيه و�سائل ُ الات�ّسال ِ �سعبةً، ومتابعة ُ الاأم�ر مجهدةً. َ ولكن ّ هـــارون َ الر�ّسيد َ الــذي كــان َ عــمــرُه ُ لم يتجاوز َ الخام�سة والع�سرين قد اأح�سن َ �سيا�سة َ ملكِ هِ، واأقام َ العدل َ والرّحمة َ في رعيّتِهِ، ٍ ورد َّ المظالم َ اإلى اأهلِهَا، وا�ستق�سى (تحرّى في الاأمرِ ، وعرفَه ُ ب�سكل ِ �سحيحٍ ) اأح�ال َ الم�سلمين بنف�سِ هِ، حتى اإنّه ُ كان َ ينزل ُ اإلى الاأ�س�اق والاأحياء ِ ليتفقّد َ الاأح�الَ . وقد عمّر َ مدن َ الثّغ�ر ِ (هي المدن ُ ال�اقعة ُ على الحدود ِ مع الاأعداءِ)، واأحاطَ هَا بالاأ�س�ار ِ والقلاع ِ والح�س�ن ِ والاأب�اب ِ الق�يّةِ، بعد اأن كان َ الرّوم ُ قد هدّم�ا معظمَهَا واأحرق�هَ ا، وقام َ بت�سييد ِ مدن ٍ جديدةٍ، كما اأعاد َ اإلى الاأ�سط�ل ِ البحري ّ الاإ�سلامي ّ ق�تَهُ، واأعاد َ بناءَهُ، كما اأن�سا أ َ دارا ً ل�سناعة ِ ال�سّ فنِ . 141 وحر�س َ هارون ُ الر�ّسيد ُ على اأن يخفّف َ الاأعباء َ المالية َ عن الرّعيةِ، ومنع َ جمع َ الاأم�ال ِ وال�سّ رائب ِ من النّا�س ِ من غير ِ وجه ِ حقٍ ، واألغى �سريبة َ الع�ُّسر ِ التي كانت ت�ُؤخذ ُ من الفلاحين بعد َ الن�ّسفِ ، وعهد َ اإلى القا�سي اأبي ي��سفَ ، ِ وا�سعا ً فيه نظاما ً �ساملا ً للخراج " الخراجِ " َ وكان َ قا�سي الق�ساة في بغداد، بتنظيم اأم�ر ِ الدّولة ِ الماليّةِ، فاألّف َ كتاب (ه� المال ُ الذي يُدفع ُ عن الاأر�س ِ ب�سكل ٍ �سن�يّ ) بما يتّفق ُ مع ال�سّ ريعة ِ الاإ�سلاميّةِ. وب�سبب ِ هذا العدلِ ، فقد ْ �سهدت الدّولة ُ رخاء ً كبيراً، وفا�ست ْ الاأم�ال ُ في خزينة ِ دار ِ مال ِ الم�سلمين، وا�ستغلّت ْ في بناء ِ الحياة ِ الاقت�ساديّةِ، وتم�يل ِ العمرانِ ، وازدهار ِ العل�م ِ والفن�نِ . ً ونظّ م َ هارون ُ الر�ّسيد ُ طرق َ ال��س�ل ِ اإلى الحجازِ، وبنى الق�س�ر ِ والمنازل ِ على ط�ل ِ الطّ ريق ِ اإلى مكة ِ المكرّمةِ؛طلبا ْ لراحة ِ الحجّ اج، وعملت ْ زوجتُه ُ زبيدة ُ على اإي�سال ِ الماء ِ اإلى مكة َ من عين ِ ماء ٍ تبعد ُ عنها نح� َ ثلاثين ميلاً، ثم حدّدت معالم َ الطّ ريق ِ بالاأميالِ ؛ليعرف َ الحجّ اج ُ الم�سافات َ التي قطع�هَ ا، وحُ فرت ْ على ط�لِهَا الاآبار ُ والعي�نُ. 142 وغدت ْ بغداد ُ من اأعظم ِ مدن ِ الدّنيا؛فقد كانت ْ فريدة ً في ح�سارتِهَا وعمارتِهَا، وتناف�سَ ِ الاأغنياء ُ وكبار ُ رجال ِ الدّنيا في اإقامة ِ الم�ساريع فيها، مثل ُ حفر ِ التّرع ِ والاأنهارِ، وت�سييد الم�ساجدِ ، وتعبيد ِ الطّ رقِ ، وبناء ِ الق�س�ر ِ الجميلةِ، فات�سعت ْ بغدادُ، حتى بلغ َ عدد ُ �سكانِهَا ملي�ن ن�سمةٍ، وق�سدَ هَ ا التجّ ار ُ من كل ِّ مكانٍ ، و�سجّ ت ْ بالب�سائع ِ والنّفائ�س ِ (جمع ُ نفي�سٍ ، ُ وه�ال�سّ يءٌ عظيمُ القيمةِ، يُرغبُ فيهِ)، كما غدتْ قبلةَ طالبي العلمِ الذين تحت�سنُهُم الم�ساجد ْ والجامعات ُ وزوايا العلمِ ، وق�سدَ هَ ا الاأطباء ُ والعلماء ُ والمهند�س�ن و�سائر ُ ال�سنّاعِ؛اإذ كانت َ اأر�سا ً للحريّة ِ والعلم ِ والجدل ِ والمناق�سةِ. وكان َ هارون ُ الر�ّسيد ُ ورجال ُ دولتِه ِ يقف�ن خلف ُ هذه ِ النّه�سةِ، ويدعم�ن اأهل َ العلم َ والابتكار ِ والاأدب ِ والعمل ِ بالمال ِ والهدايا والعطايا (جمع اأعطيةٍ، وهي الهبةُ). وا�ستهل َّ (بداأَ) هارون ُ الر�ّسيد ُ خلافتَه ُ باأن جعل َ يحيى بن َ خالد ٍ البرمكي على ال�زارةِ، ِ فنه�س َ باأعباء ِ الدّولة ِ على خير ِ وجهٍ ، و�ساعف َ من اأم�ال ِ الخراج ِ الذي كان يدخل ُ اإلى بيت َ المال ِ بعد َ اأن تق�سي الاأقاليم ُ الاإ�سلاميّة ُ حاجتَهَا منُهُ، حتى بلغ َ الخراج َ نح� 400 ملي�ن ُ امطري حيث " درهمٍ .وكان َ هارون ُ الر�ّسيد ُ ينظر ُ اإلى الغيمة ِ في ال�سّ ماءِ، ويق�ل ُ لهَا بفخرٍ : " �سئت ِ ف�س�ف َ ياأتي اإلي ّ خراجُ كُ ُ الخليفة ُ العابد ُ لم يكن ْ هارون ُ الر�ّسيد ُ خليفة ً لاهيّا ً لاعبا ً غارقا ً في المتعةِ، فهذه ِ هي ال�س� ّرة ُ الم�س�ّهة التي حاول َ اأعداء ُ الم�سلمين اأن يعط�ها لهارون َ الر�ّسيدِ ، ليف�سدوا �س�رة َ الاإ�سلام ِ والم�سلمين، ِ ولكن الحقيقة َ ال�سّ اطعة َ المدع�مة َ بالحقائق ِ التّاريخيّة ِ تق�ل ُ اإنّه ُ كان َ مثالا ً م�سرقا ً للخليفة ، ويعمل ُ جاهدا ً لمر�ساتِهِ. َ الم�سلم ِ الم�ؤمن ِ العابد ِ الذي يخ�سى الله 143 و�سيرة ُ هارون َ الر�ّسيد ِ حافلة ٌ بكل ِّ �س�ر ِ الاإيمان ِ والخير ِ والعبادة ِ وال�سّ لاحِ ؛ فقد كان َ ي�سلّي في كل ِّ ي�م ٍ مئة َ ركعةٍ، َ ويت�سدّق ُ من مالِه ِ الخا�س ِ في كل َّ ي�م ٍ باألف ِ درهمٍ ، كما كان َ كثير َ العطاء ِ للفقراء ِ وال�سّ ائلين، ويح�سن ُ كذلك َ للعلماء " �سلّى الله ُعلى �سيدي " ولطالبي العلم ِ ولل�سّ عراءِ، ويجزل ُ لهُم العطاءَ، وما ذكر َ النّبي عليه ِ ال�سّ لاة ُ وال�سّ لام ُ اإلا ّ وقالَ : وقد ْ داأب َ (اعتاد َ وا�ستمرَّ) هارون ُ الر�ّسيد ُ على اأن ْ يحج َّ عاماً، ويغزو عاماً، فاإن ْ حج َّ اأحج َّ معَه ُ مئة من الفقهاء ِ واأبنائِهم، ٌ واإن ْ لم يحج ّ اأحج َّ ثلاثمئة ٍ بالنّفقة ِ الكاملة ِ والك�س�ة ِ (الملاب�سِ )، وقيل َ اإنّه ُ قد حج َّ في عام ِ 179هـ ما�سياً، ولم يحج ّ خليفة قبلَه ُ ما�سياً. 144 يامَ ن ْ يملك ُ ح�ائج َ ال�سّ ائلين، ويعلم ُ �سمير َ ال�سّ امتين، �سل ِّ على محمد ٍ وعلى " ولمّا و�سل َ الكعبةَ، تعلّق َ باأ�ستارِهَ ا، وقالَ : اآل ِ محمدٍ ، واغفر ْ لنا ذن�بَنَا، وكفّر ْ عنَا �سيئاتنا، يامَ ن ْ لا ت�سرّه ُ الذّن�بُ ، ولا تخفى عليه ِ العي�بُ ، ولا تنق�سه ُ مغفرة ُ الخطايا، َ �سل ِّ على محمد ٍ وعلى اآل ِ محمدٍ . يا من خ�سعت ْ لَه ُ الاأ�س�ات ُ باأن�اع ِ اللّغاتِ ، ي�ساأل�نَه ُ الحاجاتِ ، اإن ّ مِ ن ْ حاجتي اإليك َ اأن تغفر َ لي ذن�بي اإذا ت�فيتني، و�سُ يّرت ُ في لحدي، وتفرّق َ عني اأهلي وول�ا؛ اللهم َ لك َ الحمد ُ حمدا ً يف�سل ُ كل َّ الحمدِ ، كف�سلِك على جميع ِ الخلقِ ، اللهم َ �سل ِّ على محمد ٍ وعلى اآل ِ محمد ٍ �سلاة ً تك�ن ُ لَه ُ ر�سا، و�سل ِّ عليه ِ �سلاة ً تك�ن ُ لَه ُ ذخراً، واجزه ِ عنّا " الجزاء َ الاأوفى. اللهم َ اأحينا �سعداءَ، وت�فّنا �سهداءَ، واجعلنَا �سعداء َ مرزوقين، ولا تجعلنَا اأ�سقياء َ مرج�مين ُ �سم�س ٌ تغيب هارون ُ الر�ّسيد َ اآمن َ بق�ة ٍ باأن َّ الحياة َ لي�ست ْ اإلا طريقا ً اإلى الاآخرةِ، وباأن ّ ملكَه ُ مهما كان َ عظيما ً فم�سيرُه ُ اإلى زوالٍ ، " يامَ ن ْ لايزول ُ ملكُك َ ارحم ْ من زال َ ملكُهُ " ولا بقاء َ اإلا ّ للعمل ِ ال�سّ الحِ ، ولذلك َ كان َ يدع� الله َباكيا ً بحرارةٍ، وه� يق�لُ: َ وكان ّ يدع� الله َكذلك َ اأن يت�فّاه ُ �سهيدا ً مقاتلا ً في �سبيلِهِ، وقد ا�ستجاب َ الله ُعز َّ وجل َّ لدعائِه ِ ال�سّ ادقِ ، فقب�س ِ روحَ ه ُ وه� خارج ٌ للجهاد ِ في مدينة ِ ط��س (هي مدينة ٌ من مدن ِ خرا�سان َ في اإيرانَ ) في خرا�سانَ ، ودُفن َ فيها في عام َ 193هـ بعد َ مر�س ٍ مفاجىء ٍ األم َّ بِه ِ (اأ�سابَهُ) وعمرُه ُ عندئذ ٍ خم�س ٌ واأربع�ن� سنةٍ. ف�سلّى عليه ابنُه ُ ال�سّ الحُ، وب�ُيع َ (قَبِل النّا�س ُ اأن يك�ن َ الخليفةَ) ل�لدِ ه ِ الاأمين ِ في الع�سكرِ ، وه� َ حينئذ ٍ في بغدادَ. ٍ ويروى اأن ّ هارون َ الر�ّسيد َ كان َ قد ْ راأى في منامِ ه ِ اأنّه ُ يم�ت ُ في ط��س، فبكى، واأمر َ بحفر ِ قبر لَه ُ فيه قبل َ اأن يم�تَ ، ويُدفن َ في القبر ِ الذي اأعدَّهُ. َ وبم�ت ِ هارون َ الر�ّسيد ِ غابت ْ �سم�سُ ه ُ ال�سّ اطعة ُ الق�يّة ُ التي اأ�ساءت ْ الح�سارة َ الاإ�سلاميّة ِّ لما يقارب ُ ربع َ قرنٍ ، وجعلت ْ بغداد َ منارة َ علم ٍ ت�سيء ُ طريق َ المعرفة ِ والح�سارة ِ لكل ُ العالمِ ، تاركة ً ً للاإن�سانيّة ِ �س�رة ً م�سرقة ً للخليفة ِ الم�سلم ِ العابد ِ المجاهدِ .فهل يمن ُّ الله على الم�سلمين بهارون َ اآخر يبعث ُ �سم�س َ الم�سلمين من جديدٍ ؟ 145 لوّن معنا 146 147 اأحبّتي ال�سّ غار ي�سعدني اأن اأعــرف َ اآراءكـــم في هــذه الق�سةِ. ت�ا�سل�ا معي على العن�ان ِ التالي: عن�ان الم�ؤلّفة: �سناء �سعلان 11942 – عمان – الاأردن 13186 ب.س� Selenapollo@hotmail.com البريد الالكتروني: ً اأحبّكم كثيرا ً تذكّروا دائما